Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
Qanya ܩܢܝܐ, Ephrem Isa YOUSIF
Qanya ܩܢܝܐ, Ephrem Isa YOUSIF
Publicité
Archives
Qanya   ܩܢܝܐ, Ephrem Isa YOUSIF
19 septembre 2010

ملحمة دجلة والفرات، كتاب

 

ملحمة دجلة والفرات

   محاولة لاستنشاق عبق الأيام الغابرة

 - نص روائي يجمع السيرة بالتداعيات بالتنقيب الايركيولوجي - عدنان حسين احمد


لم ينل كتاب (ملحمة دجلة والفرات) للباحث العراقي د. أفرام عيسي يوسف حقه من الرصد والدراسة والتحليل. فعلي الرغم من بعض المقالات التي نُشرت هنا وهناك إلا أن هذه (القراءات) لم تكن تخرج عن إطار العروض البسيطة، والمراجعات السريعة التي تعتمد في بنيتها علي رؤية الكاتب، ومنهجه العلمي الرصين، الأمر الذي أدي إلي غياب الآراء الشخصية للكتاب والنقاد الذين تنالوا هذه (الملحمة) بعروضهم ودراساتهم النقدية. وربما ينطبق هذا الأمر علي الصحف والمجلات الفرنسية التي وصلت إلي استنتاجات وخلاصات وآراء نقدية عامة لعل أبرزها (إن بعض النقاّد عدّه من أهم الكتب التي تناولت حضارة بلاد الرافدين العريقة). وهذا الرأي ينطوي علي تعميم واضح لا يتناسب مع الجهد العلمي والأدبي الذي بذله الدكتور أفرام عيسي، المعروف بموضوعيته ونزاهته الفكرية. وبدءاً لا بد من التعريف بالمنجز الفكري الذي قدّمه د. أفرام عيسي، وبأدواته المنهجية، وبأسلوبه الفني الذي يتلاقح فيه العلم بالأدب. فالدكتور أفرام متخصص في (الفلسفة العربية) وقد أعدّ أطروحة الدكتوراه عن (واقع الإنسان عند أبي حامد الغزالي). وقد حصل أيضاً علي درجة الدكتوراه في موضوع (الحضارات القديمة لوادي الرافدين) من جامعة نيس الفرنسية. وبعد تخرجه شغل منصب أستاذ الحضارات القديمة في جامعة السوربون (باريس الثامنة)، ثم أصبح مسؤولاً عن قسم الدراسات العربية في جامعة تولوز، كما عُيّن رئيساً لقسم النشر العربي في دار (لارماتان)، وأنيطت به أيضاً مسؤولية القسم العلمي للأبحاث والتأليف في السكرتارية العليا للدول الفرانكوفونية. يعوّل د. أفرام في بحوثه ودراساته الفكرية علي منهج علمي، موضوعي، محايد يستند إلي الأدلة والبراهين العلمية والتاريخية. ومن أهم بحوثه وكتبه التي صدرت حتي الآن هي: عطور الصبا في سناط، بلاد الرافدين، جنة الأيام الخوالي، الفلاسفة والمترجمون السريان من أثينا إلي بغداد، وملحمة دجلة والفرات.

قراءات متعددة

في هذا الكتاب يتداخل المنهج العلمي الأكاديمي بالأسلوب الأدبي الممتع. ويمكن إحالة القارئ الكريم لـ(ملحمة دجلة والفرات) ليكتشف بنفسه كيف صهر المؤلف بين المذكرات والتداعيات والسيرة الذاتية والنفس الروائي وأساليب البحث العلمي، والتنقيب الإيركيولوجي، والدراسات التاريخية المعمقة. فهذا الكتاب تمكن قراءة بعض فصوله كأدب رحلات وأسفار وسيرة ذاتية كما في فصل (التوجه صوب دجلة والفرات) و (اكتشاف السومريين) و(أوروك أرض البدايات) و (بلاد الرافدين، روضة الكتابة). ويمكن قراءة فصول أخري كنصوص سردية قصصية كما في (اضطراب جلجامش) الفصل الذي يحكي عن الملحمة الشهيرة التي تصور انهماك جلجامش في البحث عن نبتة الخلود. أو (نظرات إلي بابل) الفصل الشيّق الذي يسلط الضوء علي حكاية الملكة الميدية آميثيس، حفيدة الملك آسترياج، وزوج نبوخذ نصّر الذي بني لها الجنائن المعلقّة في بابل والتي أعدُها بمثابة المعادل الجغرافي لجبال ميديا وغاباتها. أو منحوتة سيدة أوروك التي سحرت المؤلف مثلما سحرت من قبله الكاتب مالرو الذي قال عنها (إن رأس سيدة أوروك هو قطعة من القطع الأصيلة التي تتحدي الشروح كلها، وتكتفي بفرض نفسها، بل إنها قمة من القمم العبقرية الإبداعية).أو حكاية (أنخدوانا) ابنة سرجون الأول، وهي أول شاعرة رافدية دبجت القصائد والأناشيد التي ما تزال خالدة حتي يومنا هذا. ويمكن قراءة الكتاب برمته كنص روائي موضوعه الحضارات العراقية القديمة، وأبطاله ملوك وملكات سومر وأكد وبابل وآشور، مكانه العراق القديم، وزمانه يمتد منذ سنة 4500 ق. م حتي نهاية القرن الأول ق. م. أما الراوي العليم فهو المؤلف الذي يشد الرحال من باريس عام 1980 ليجوب في كل المدن العراقية القديمة بدءاً من أوروك، ومروراً بنيبور وأور وبابل وانتهاءً بنينوي. وتمكن قراءته كبحث في بدايات التفكير الفلسفي عن سر الوجود البشري، والقلق الذي ينتاب الإنسان في بحثه المضني عن الملذات الطارئة حيناً أو عن الخلود المعنوي والحقيقي حيناً آخر.

لنقرأ ما قالته سيدة الحانة (سيدوري) لجلجامش الذي التقاها عند شاطئ البحر :
(
أنتَ /املأ بطنك طعاماً / وأبقَ مرحاً ليل نهار/ وأقم العيد كل يوم / أرقص، وتسلَّ ليل نهار / البس ثيابا نظيفة جيداً / واغتسل / وأنظر بحنو صغيرك الذي يُمسك يدكَ / وحقق سعادة زوجك التي تُعانقك / لأن هذا هو وحده مرام الناس جميعاً).

إن رحلة جلجامش من مدينة أوروك، وركوب المخاطر في الفيافي والبحار من أجل الظفر بنبتة الخلود،والعودة إلي مركز انطلاقه ليس عبثاً لا طائل من ورائه. فهذه الملحمة أو المأساة أو المرثية كما يسميها د. أفرام يمكن قراءتها بطريقة رمزية علي أنها رحلة في طموحات الذات البشرية التي لا تتوقف عند. أو أنها وازع نفسي أو فلسفي للتخلص من هاجس الموت الملحاح علي كل إنسان في هذه المعمورة. أو أنها اختبار لقدرات الإنسان في مراحل حياته المختلفة. أو أنها بحث عن منابع الحكمة والمعرفة. أو أنها تأكيد لــ(سيادة الذات) كما ذهب الكاتب الألماني المعروف غوته. ولكنها في النهاية تظل رغبة حقيقية في (إلغاء فكرة الموت). وهذه الرغبة في حقيقة الأمر هي ليست رغبة جلجامش حسب، وإنما هي حلم الناس جميعاً.

باب ـ إيلي 

في هذا الكتاب ثمة آراء استنتاجات مهمة جداً لا يمكن إغفالها أو تفاديها أبداً، ولعل أهمها وأبرزها علي الإطلاق هي (أن مسيرة النهضة الحضارية لم تنطلق من اليونان إلي إيطاليا، ثم إلي العرب، بل من اليونان إلي الشرق الأوسط، سوريا ولبنان وبلاد الرافدين، ثم انتقلت إلي الأندلس، ومنه وصلت إلي أوروبا، وساهمت في النهضة الغربية في ما بعد) هذه الخلاصة الفكرية يمكن الرجوع إليها في الحوار الذي أجرته صحيفة (أخبار العرب) مع د. أفرام عيسي، ولكنه مع الأسف لم يذكر التاريخ الذي نُشر فيه هذا الحوار أو عدد الصحيفة كي يمكن الرجوع إليها عند الحاجة. يثير الكتاب أيضاً قصة التحاق نائب القنصل الفرنسي، إرنست شوكان دو سارزيك بعمله في البصرة، وقيادته لإحدي عشرة بعثة استكشافية للمناطق المحيطة بمدينة البصرة، وعثوره علي لقي أثرية كثيرة من بينها القطع السبع لــ(مسلة النسور) وباعها كلها إلي متحف اللوفر في باريس بمبلغ مادي كبير من دون أن يعرف أن أهمية اكتشافه لا تقدّر بثمن علي الإطلاق. (لقد حمل إلي فرنسا، وإلي العالم كله أول اكتشاف عن حضارة مندثرة هي أقدم من حضارتي بابل وآشور اللتين ورثتاها في بعض الجوانب. ولم يذكر هذه الحضارة لا العهد القديم ولا الإغريق). يثير هذا الاكتشاف تساؤلاً خطيراً ومهماً وهو: لماذا لا يذكر العهد القديم أو اليهود المتشددون بعامة ومعهم الإغريق هذه الحضارة؟ هل إن ذكرها يعطّل دورهم التاريخي أو يجعلهم هامشيين في الأقل؟ في هذا الكتاب ثمة طروحات فكرية ولغوية تصحح بعض الأراجيف والأكاذيب التي يشيعها بعض المستشرقين الأوروبيين والمفكرين الغلاة من اليهود الذين يسعون لتشويه الحقائق وقلبها رأساً علي عقب. ويكفي أن نشير هنا إلي نص مكتوب يرويه العهد القديم حيث يقول (إن أحفاد نوح انطلقوا من الشرق، ووصلوا إلي بلاد شنعار) بابل وأرادوا أن يبنوا فيها برجاً عملاقاً يعانق السماء، لكن الإله الخالد أخذته الغيرة من سمّو المشروع، أودي به إلي الإخفاق حين خلط لغات العمال. فما عاد هؤلاء قادرين علي التفاهم، إذ توقفوا عن بناء البرج، وتفرقوا في الأصقاع. ) ص 137. 
ويضيف سفر التكوين ( لذلك دُعي اسمها بابل، لأن الرب هناك بلْبلَ لسان كل الأرض. ) د. أفرام عيسي يري أن ( أصل لفظة بابل التوراتي والشعبي المرادف لــ(الخلط) خاطئ، لأن اسم بابل لا ينحدر من الكلمة العبرية (بَلْبلَ) التي تعني خلطَ أو مزجَ، بل جاء من باب ــ إيلي، أي باب الإله في اللغة الآكادية، وهو الاسم القديم لبابل. )يتساءل د. أفرام قائلاً ( لماذا قلبَ الكتاب المقدس معني اسم البرج، وانعطف بالتقاليد في الاتجاه المعاكس؟ ولكنه مع الأسف الشديد لم يبحث في الأسباب التي دعت إلي دمغ بابل بهذا المعني المحرف وهو القادر علي ملامسة أسباب هذا التحريف والتشويه المقصودين؟ ولا بد من التنويه إلي أن بعض المستشرقين والمفكرين الأوروبيين كانوا موضوعيين جداً، ولا تأخذهم العواطف الجوفاء، أو التعصب الأعمي الساذج بعيداً عن المنطقة الحيادية المقدسة. ففي حواراته الصحفية يذكر د. أفرام عدداً المستشرقين الغربيين الذين لعبوا دوراً موضوعياً ونزيهاً من خلال بحوثهم ودراساتهم التي كتبوها عن الحضارات العراقية القديمة نذكر منهم ماسينيون، أندريه ميكيل، وجيرار تريبو وغيرهم. في الفصل الأخير من هذا الكتاب القيّم (نفحة بلاد الرافدين) يمكننا تلمس الوازع النفسي الذي يهيمن علي مؤلف الكتاب، فيمضي في حديث هو أقرب إلي التداعي الحر الذي ينطوي علي تساؤلات سرية عن الذات وحركتها الغامضة بين ثنائية الوجود والعدم. إذ يقول (ألم تكن تلك الرحلة إلي بلاد الرافدين، رحلة في أعماق ذاتي لاكتشاف أقاصي روحي؟).

المنحي السردي وتجليات التاريخ

يمكن قراءة هذا الكتاب بوصفه سرداً لأحداث ووقائع تاريخية تمتد منذ مطلع الحضارة السومرية حتي يومنا هذا، هذه الحضارة التي شيدها الشعب السومري المعروف باختراعاته الكثيرة ومنها المحراث، والدولاب، والعربة، ومخرطة الخزف، والقارب الشراعي، كما برع في تقنيات عديدة أخري كالبرشمة، واللحام، والدهان، وصياغة الذهب، وتحبيبه، والترصيع بالأحجار الكريمة. وأبدع في بناء الزقورات والقبب التي زيّنت المدن السومرية، غير أن الاختراع الأكبر هو اختراع الكتابة الذي يعد نقطة تحوّل جذري في بلاد الرافدين في الألف الرابع ق. م.

يمدنا هذا الكتاب بمعلومات تاريخية قيّمة عن أغلب ملوك سومر وأكد وبابل وآشور. ويحكي لنا بأسلوب شيّق عن المعارك والوقائع والأيام التي دارت بين الممالك. فعلي سبيل المثال لا الحصر، يصور لنا الكتاب كيف احتل نبوخذ نصر، ملك بابل، أورشليم وسبي أناسها غير مرة. وكيف دارت الدوائر ليطلق سراحهم الملك الفارسي كورش الثاني، ويعيدهم إلي فلسطين ثانية. في الفصل التاسع من هذا الكتاب يسلط الباحث الضوء علي (حمورابي) ويصفه بملك القانون، وهو يستحق هذا اللقب عن جدارة. وعبر أسلوب سردي ممتع يذكرنا المؤلف بأن حمورابي تسنم سدة السلطة منذ عام 1792 إلي عام 1750 ق. م، ويمضي في الحديث عن مآثره المتعددة، لكنه يعرّج علي حين فجأة إلي عام 1901، وهو العام الذي عثر فيه علماء الآثار الفرنسيون علي واحدة من مسلات حمورابي في مدينة (سوس) العيلامية، ونقلوها إلي متحف اللوفر في باريس. ويمضي الباحث في وصفه لتفاصيل هذه المسلة فيبين لنا أن المواد القانونية في مسلة حمورابي قد بلغت ( 282 ) مادة قانونية، مكتوبة بالخط المسماري باللغة الأكدية. وهذه القوانين كانت تنظم الحياة السياسية والاجتماعية للناس آنذاك. وبطبيعة الحال لا نستطيع أن نتوقف عند كل الأحداث والوقائع التاريخية التي يزخر بها الكتاب، ولكننا ارتأينا الإشارة إلي بعضها كعيّنات ونماذج توضّح الجهد العلمي الكبير الذي بذله د. أفرام عيسي في تأليف هذا الكتاب.
وفي الختام ينبغي التنويه إلي الجهد الجهيد الذي بذله د. علي نجيب إبراهيم في ترجمة هذا الكتاب من اللغة الفرنسية إلي العربية بلغة صافية، سلسة، لا وعورة فيها.


جريدة (الزمان) العدد 1342 التاريخ 2002 - 10 - 20/19
133_3311_1

 

Publicité
Publicité
Commentaires
Publicité